التخصصات البيئية والمسؤولية الحكومية
التخصصات البيئية والمسؤولية الحكومية
الدكتور فاخر العكور
المستعرض لسياسات التوظيف العام والخاص يجد انه وفي بعض الاحيان التخبط في اتخاذ القرارات وبُعد هذه السياسات في التوظيف عن المنهجية العلمية في تهيئتها على مستوى المسودات ومن ثم على مستوى الاستراتيجيات والتي تحتاج الى التنسيق الكامل مع الجامعات التي تقرر طرح برنامج اكاديمي ما او الغاء آخر والذي يترتب عليه انخراط عدد كبير من ابنائنا في هذه البرامج او التيه في السوق بعد الإلغاء.
اسوق على ذلك ما حصل بداية بما يتعلق بالتخصصات البيئية والتي انشئت بالتزامن مع بلوغ النشاط البيئي العالمي الى الجميع وانتشار الحاجة الى مختصين بالعلوم البيئية وآليات المحافظة عليها وحمايتها وتطبيق القوانين ذات العلاقة بالبيئة. هناك جامعات عربية تطرح برامج بيئية لم يتم الترويج لها جيدا ولم يتم استيعاب الخريجين بما هو مفترض ان ينخرط تحت مظلته وضاعت التسميات والتصنيفات ولم يتم الطلب أيضا لتعيين مختصين بيئيين من قبل الدوائر والهيئات ذات العلاقة مما دعى ونتيجة لضغط الطلبة الخريجين ومن هم على مقاعد الدراسة بالمطالبة بعدم الانخراط بهذه التخصصات حتى تم إغلاق الاقسام من بعض الجامعات وبقي من بقي يدافع ويناضل ويقوم تغيير الخطط الدراسية للأفضل وبقيت المشكلة قائمة.
وهنا حتى لا يتم إلحاق الظلم بالجامعات لا بد من الاشارة الى أن الجامعات وفي كثير من الأحيان تتلمس التطور الأكاديمي على المستوى العالمي وتراقب التغيرات على مستوى الجامعات والتخصصات المطروحة وتحاول أن تستبق الأحداث من خلال طرح برامج جديدة لتزويد السوق المحلي والأقليمي باصحاب الكفاية العلمية والمختصين الذين يعول عليهم بحمل سلم التطور ومجارات الاحتياجات السوقية ومن خلال الطرق العلمية والادارية في الطرح للاقسام الجديدة ومروره لعدة لجان تبدأ من لجان الكلية ذات الاختصاص الى لجان الخطط الدراسية الى مجالس العمداء وبتصور علمي عملي مع مبررات مرتبطة بالسوق المحلي والاقليمي والعالمي ومدى الحاجة المتوقعة وتبدأ الجامعات بالانفاق على البنى التحتية والتعيين والايفاد والبناء وغير ذلك من الاحتياجات اللازمة لهذا القسم الجديد. وتتراكم اعداد الخريجين دون فرص حقيقية إلا ما ندر. وهنا يبرز العجز المؤسسي والبيروقراطية القاتلة بفهم هذه التخصصات واستيعابها على الرغم من وجود الشواغر لها رغم الخطابات المهنية من الجامعة ذات العلاقة لتوضيح المسمى الوظيفي ونتيجة عدم مواكبة التطوير وضغط الطلبة والاهالي تغلق الاقسام وتبدأ المعاناة للجامعة والخريجين مع تقبل اصحاب العلاقة المفترضين من الؤسسات الحكومية وغير الحكومية والبلديات والمصانع وخصوصا مع وجود العديد من الانظمة والقوانين البيئية الواجب تطبيقها والزام الجميع للالتزام بها ولكن دون جدوى.
ما حصل يحصل الان هو تخبط بعينه فآلية التوظيف في المجال البيئي مغلوطة فلا يمكن لدارس البيولوجيا أو الكيمياء أو ادارة الأعمال (مع الاحترام والتقدير لهذه التخصصات واصحابها) أن يقدر الأتر البيئي لملوث ما دون معرفة آلية عمل هذا الملوث والمدى الذي يمكن أن ينتشر فيه ولا آلية الحد منه ومن تأثيره , وعلى العكس من طلبة التخصصات البيئية الذين تمت تهيأتهم بالمعرفة لدراسة ذلك وغيره من الأنشطة البيئية المختلفة ذات التكاملية الحيوية وغير الحيوية في المنظومة البيئية الأكبر ولذا لا بد من العودة والتأكيد على التخصص فالتخصص فالتخصص بالتوظيف.
تتبادر الى ذهني الكثير من المواقف وحلقات النقاش التي تدور في الورش العلمية التي تعقد بين الحين والاخر فعلى سبيل المثال لا الحصر في أحد الورش حول منح ترخيص لشركة ما لاقامة منتجع سياحي في احد الغابات برز أحد الحاضرين ومن جملة قضايا كثيرة تم إثارتها حول الموضوع للقول أن البناء في الغابة لا يؤثر على المنظومة البيئية في الغابة فكانت الاجابة العلمية والمستندة الى الأبحاث العلمية العالمية الى خطأ هذا الطرح وتم طرح العديد من المصطلحات البيئية العالمية والتي توضح الطرح المغاير والذي يبرهن خطأ السماح بالبناء وإنشاء المنشأة بالصورة المطروحة ولم يتفهم طبيعة النقاش ولا مضمون الطرح لغياب التخصصية في النقاش على الرغم من أنه احد أعضاء اللجنة التي قدمت تقرير الإجازة.
هنا ومن هذا المنطلق ولتحقيق التناسب بين الموظف مع الوظيفة يبرز الفكر المبتكر والمبدع في إتخاذ القرار الجريء لتتماشى مؤسسته مع التطور العلمي والذي بدون شك كقيل بالحد من الهدر في الموارد الطبيعية والبشرية وتقليل حجم التأثير السلبي على البيئة بتقليل كلف إعادة تأهيل المتدهور منها بعيدا عن الإصرار على المسميات القديمة البالية وتحييد البيروقراطية القاتلة ودفن الرؤوس بالرمال ولسان حالهم يقول المركب ساير والتغيير المطلوب متروك لمن يأتي بعدي وهكذا. الجرأة في إتخاذ القرار المناسب تواكب التقدم المهني لاحراز المنافع وفهم المداخيل العلمية للوظيفة أساس المواكبة والموازاة في التقدم فحركة التقدم لا تنتظر حتى يفهم طبيعة العمل المطلوب منه وتدريبه مع وجود المؤهل وصاحب الدراية العلمية والفنية. إن إختيار الوزارات المعنية لتوظيف خريجي الأقسام البيئية من الجامعات واجبار المصانع على توظيف المختصين بيئيا لتفعيل القوانين البيئية هو ضمان للتقدم من خلال أولا إشراك هؤلاء الفئة المجتمعية بآليات حماية البيئة وبنفس الوقت توفير الخسائر في المصانع وضمان إستدامة الموارد الطبيعية وتعظيم الفائدة منها وتقليل ما يطرح من أذى على المنظومة البيئية حماية لنا ولأبنائنا وللأجيال القادمة.
والله من وراء القصد