مقدمة في تنسيق الحدائق
تصميم الحدائق هو فن ترتيب وتوزيع العناصر النباتية والعناصر البنائية في مساحة من الارض تتوزرع بقوالب فنية بما يتفق مع إحتياجات ورغبات المالك, تحكمها الأبعاد الثقافية والإجتماعية والطبيعية ضمن ظروف بيئية محددة, تستند للمعرفة العلمية لشروط إختيار وزراعة الأنواع النباتية المختارة والموهبة الفنية لدى المصمم.
تتكون الحديقة من عناصر متعددة تمتد إضافة للعناصر النباتية إلى إدخال عناصر بنائية تتلاءم مع العناصر الأخرى لتعطي للمتلقي العناصر الجمالية والمستوحاة من تكاملية اللوحة الفنية, والتي هي بحد ذاتها وحدة تكاملية تكمل أجزاءها بعضها البعض.
لتوظيف العناصر النباتية كان لا بد من تقديم صورة عن النباتات وماهيتها لمساعدة القارئ بالتمييز بين الأنواع المختلفة من النباتات, ولتوظيف هذه المعرفة المتحصلة من هذا السرد الوظيفي في تنسيقات توظف الموهبة الفنية لدى المصمم في لوحة متكاملة العناصر وترتيبها.
في هذا المقام أتساءل, هل تنسيق الحدائق كأبعاد إيجابية يقتصر على إظهار جمالية تنسيق معين, أم يمكن لنا أن نوظف هذا العمل بنواحي أخرى من خلالها نستطيع تشجيع الاتجاهات المجتمعية نحو تنسيق الحدائق والإهتمام بزراعة النباتات كجزء من ثقافة عامة لدى السكان.
والإجابة نعم, يمكن لنا توظيف هذا العمل لترتيب أوضاعنا البيئية ومحاولة إصلاح ذاتية لبيئتنا المحيطة وتخفيف حدة التأثيرات التي نحدثها نحن البشر على مكونات البيئة الطبيعية وتغيير محتوياتها.
من هذا المنطلق برزت الأهمية المجتمعية للتوعية الزراعية وخلق ثقافة نباتية تعيد توجهاتنا العصرية وغلبة التكنولوجيا والصناعة على حياتنا اليومية, وفي سبيل تحقيق ذلك خرجت العديد من المؤلفات لتبرز أهمية هذه الثقافة, ورأينا إعادة صياغة هذا الخطاب للناس بطريقة مبسطة ضمن دمج للحقائق الأولية المتعلقة بالنباتات, وتوظيفها في تنسيق جميل وجذاب للحدائق وبالأخص الحدائق المنزلية.
الإمتداد التاريخي لهذا المفهوم الحديث يصل إلى المراحل الأولى من تعامل الإنسان مع الطبيعة, والذي يعود إلى مراحل إكتشاف النار والانطلاق نحو الزراعة في المناطق المحيطة بمساكن الإنسان البدائي, وإنتخاب أنواع معينة من النباتات لزراعتها بهدف الحصول على الغذاء, وفي مراحل زمنية متطورة استخدمت النباتات في علاج بعض الأمراض, إلى حضارة الفراعنة (قبل 7000-8000 سنة) بحضارة ما يعرف بحضارة النيل وخصوصاً في عز نهضة هذه الحضارة (عام 3500 ق. م.), ومن ثم حضارة البابليين والآشوريين في وادي الرافدين, وخصوصاً إبتكار المصاطب الإروائية والحدائق والمتنزهات وقنوات الري المبطنة بالطابوق والتي كانت تطلى بالإسفلت (سنة 1800 ق.م.), وإنتقالاً لتأليف كتاب الأعشاب (سنة 700 ق.م.), ومن ثم إلى العصور الوسطى في الحضارة اليونانية (384-322 ق.م وكتاب أرسطو في علم النبات) والحضارة الرومانية (500 ق.م. – 500 ب.م.), فالعصر الحديث بدءاً من إكتشاف العالم الجديد عام 1492 إلى يومنا هذا.
زراعة الحدائق Horticulture هو مصطلح مشتق من الكلمة اللاتينية كولير Colere , أي زراعة وكلمة هورتس Hortus أي الحديقة. وهو مفهوم يتعلق بزراعة نباتات معينة داخل أطر المنازل والبيوت والأماكن التي يشغلها البشر. وعليه فإن مفهوم الحديقة يتدرج من زراعة المساحات البسيطة المحيطة بالمنازل إلى زراعة المساحات الشاسعة مثل المتنزهات و الحدائق العامة. المصطلح الحديث لهذا النوع من الزراعات يندرج تحت مفهوم علم البستنة والذي يتعامل مع مجموعة كبيرة من النباتات والتي يتم تضمينها في عدة أنواع والتي تشتمل على المحاصيل الحقلية والخضراوات والفاكهة والنباتات الطبية ونباتات الزينة ويتعدى ذلك إلى نباتات الغابات, وغيرها.